حرس حدود تركيا قتلت اسرة من 11 شخصا بينهم اربعة اطفال.. ومقولة اردوغان “انتم المهاجرون ونحن الانصار” اصبحت تاريخا
21 يونيو، 2016
270 12 دقائق
يمنات
تسود اوساط المعارضة السورية، خاصة تلك التي تتخذ من تركيا مقرا لها، حالة من الحرج الكبير بعد توارد انباء عن اطلاق حرس الحدود التركي النار على نازحين سوريين هاربين بأرواحهم من الحرب الدائرة حاليا في مدينة منبج الحدودية بين قوات “الدولة الاسلامية” والجيش السوري الديمقراطي، ذي الغالبية الكردية، مما ادى الى مقتل عائلة بكاملها تتكون من 11 شخصا، بينهم اربعة اطفال، واصابة ثمانية آخرين بجروح بعضهم جروحهم خطيرة.
الائتلاف السوري المعارض ندد بقتل هؤلاء وطالب السلطات التركية بفتح تحقيق، وكان لافتا ان بيان الادانة صدر باسم نائبة الرئيس السيدة سميرة مسالمة، وليس رئيسه السيد انس العبدة، ولكن انباء ترددت انه جرى سحب بيان الشجب هذا، ونشر ذلك على العديد من مواقع التواصل الاجتماعي، بما في ذلك موقع الدكتور برهان غليون، رئيس المجلس الوطني الاسبق، الذي انتقد البيان بشدة، ووصفه بأنه لا يكفي للرد على مجزرة مروعة قتل فيها سوريون بلا ذنب، وقال “ان المشكلة لا تتعلق بخطأ ارتكبه حرس الحدود وانما في سياسات اتخذتها الحكومة”، الامر الذي صعد من حالة الغضب في اوساط السوريين النازحين تجاه الائتلاف، وتجاه السلطات التركية معا.
الحكومة التركية استخدمت ورقة اللاجئين السوريين كأداة ابتزاز، ومساومة للاتحاد الاوروبي، وحصلت على صفقة بسته مليارات دولار كمساعدات فورية، واعفاء الاتراك من تأشيرات الدخول الى اسواق العمل الاوروبية، ونتيجة لذلك قررت اغلاق حدودها في وجه النازحين السوريين الهاربين من الموت اليها، واعطت تعليمات واضحة لحرس حدودها بإطلاق النار على كل سوري يحاول العبور الى الاراضي التركية، وبالفعل جرى قتل 60 لاجئا سوريا منذ بداية هذا العام، حسب احصاءات المرصد السوري لحقوق الانسان.
الرئيس رجب طيب اردوغان لعب دورا كبيرا في تصعيد الازمة السورية، وفتح حدود بلاده لمرور مليارات الدولارات وعشرات آلاف الاطنان من الاسلحة والمعدات العسكرية الى المعارضة السورية المسلحة، وظل على مدى السنوات الخمس الماضية يعمل على اسقاط النظام السوري، وعندما لم تنجح سياساته هذه، قرر اغلاق الحدود ووقف تدفق اللاجئين السوريين، وهناك انباء بأنه بصدد تغيير سياسياته تجاه النظام السوري، وفتح حوار معه، وعبر عن ذلك صراحة رئيس وزرائه الجديد بن علي يلدريم الذي وصف الحرب في سورية بـ”العبثية”، واكد ان سياسة حكومته الجديدة “زيادة الاصدقاء وتقليص اعداد الاعداء”، في اشارة الى روسيا وسورية والعراق وايران.
الرئيس اردوغان خاطب اللاجئين السوريين اثناء زيارته لاحد معسكراتهم على الحدود مع سورية في بداية الازمة قائلا “انتم المهاجرون ونحن الانصار”، مؤكدا فتح حدود بلاده لهم، ومكررا تهديداته بإطاحة “النظام الفاشي السوري الذي يقتل شعبه”، ولكن يبدو ان المعادلة تغيرت الآن، “فالمهاجرون لم يعد مرحب بهم في تركيا، والاتراك لم يعودوا من الانصار لهم”، وهناك 165 الف لاجيء سوري يتجمعون في مواجهة الحدود التركية الشمالية الغربية في ظروف معيشية سيئة، ينتظرون الاذن بالعبور منذ اشهر.
وربما يجادل البعض بأن تركيا تستوعب حاليا حوالي 2.7 مليون لاجيء سوري على اراضيها وتقدم لهم كل العون والمساعدة، وهذا صحيح، ولكن تركيا التي تعتبر قارة، ويصل عدد سكانها الى سبعة وسبعين مليون نسمة، استوعبت العدد نفسه من اللاجئين السوريين الذي استوعبه الاردن الفقير المعدم، الذي لا يزيد عدد سكانه عن ستة ملايين نسمة، وكذلك لبنان الصغير الذي تعتبر مساحته اقل من مساحة مدينة تركية، وبات اللاجئون السوريون يمثلون نصف عدد سكانه الذي لا يزيد عن اربعة ملايين نسمة، ربعهم في الاساس من اللاجئين الفلسطينيين والسوريين قبل الحرب السورية الحالية.
الحكومة التركية اغلقت ابوابها في وجه اللاجئين السوريين، سواء القادمين من دول عربية او عالمية، او من الداخل السوري، وفرضت على الاوائل تأشيرات دخول من الصعب جدا الحصول عليها، واطلقت، وتطلق النار على القادمين من الداخل، في انقلاب واضح على هذا الشعب الذي اعتقد ان تركيا ستكون، وستظل، حليفا استراتيجيا تقف الى جانبه الى الابد في مواجهة نظام ديكتاتوري، ولكن آماله لم تكن في محلها على الاطلاق.
ربما يفيد التذكير ان دول اوروبا المسيحية “الكافرة” لم تطلق النار على المهاجرين السوريين الذين تدفقوا الى اراضيها برا وبحرا، مثلما فعل، ويفعل، الجار التركي العثماني المسلم، ولم تغرق سفنهم في البحر بمن فيها، بل اكرمت وفادتهم، وقدمت لهم كل المساعدات الممكنة، وفتحت لهم مدارسهم ومستشفياتهم وتعاملهم معاملة انسانية غير مسبوقة، وستمنحهم جنسياتها بعد تأهيلهم علميا ونفسيا واجتماعيا.
لاجيء سوري “لخص” في تغريدة له على احد مواقع التواصل الاجتماعي هذا “العقوق” التركي بقوله، “اتفاق اردوغان مع بروكسل لم يكتف بإغلاق ابواب اوروبا امام اللاجئين السوريين وانما اغلق ابواب تركيا ايضا في وجوههم”.
الشعب السوري العزيز الكريم المضياف، الذي يحمل في دمائه جينات حضارة تمتد لثمانية آلاف عام، بات ضحية حلفائه واعدائه معا، ضحية مؤامرة اقليمية ودولية تستهدفه وبلاده، جرى الترويج لها، وتسويقها ببراعة، على مدى السنوات الخمس الماضية، وجاءت النتائج كارثية، واطلاق النار على الهاربين بأرواحهم واطفالهم الى الضفة الاخرى التي اعتقد انها طوق النجاة، وملاذ آمن، هو احدث فصولها واكثرها اظلاما وعقوقا.